قبسات من سيرة الشيخ دفع الله الصائم ديمه

بسم الله الرحمن الرحيم

قبسات من سيرة الشيخ دفع الله الصائم ديمه

الاسم :

     اسمه الشيخ / دفع الله بن الفقيه وقيع الله بن الفقيه دفع الله بن الفقيه محمد الذى ينتهى نسبه إلى حبر الأمة وترجمان القرءان سيدنا عبد الله بن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم .     

:اللقب

     له عدة ألقاب أشهرها الصائم ديمه , حوى الرسول , صائم الدهر .

صلته بالسادة العركيين الحسينية :

     ينتمى إلى العركيين من جهتى الأب والأم . فجده الفقيه دفع الله أمه هى الحرم بنت آمنة بنت الشيخ يوسف أبى شرا . أما أمه فهى التاية بنت الحرم ابنة أبى إدريس بن الشيخ أحمد الريح , وجدة التاية من أمها هى فاطمة بنت الشيخ عبد الباقى بن الشيخ يوسف أبى شرا , وفاطمة هذه هى والدة الشيخ عبد الباقى بن الشيخ حمد النيل .

     أما صلته الروحية فتتمثل فى أخذه الطريق الصوفى عن الشيخ عبد الباقى بن الشيخ حمد النيل .                        

مولده ونشأته :

     ولد الشيخ دفع الله بقرية جده لأبيه (حسن) والتى سميت به , أى ولد فى أم مرحى حسن وذلك فى سنة 1917م . ثم انتقل إلى طيبة الشيخ عبد الباقى حيث تربى فى كنف جَدِّه الشيخ عبد الباقى الذى أولاه كل العناية . وبعد أن أكمل دراسة القرءان الكريم توجه إلى مواصلة تعليمه بالمعهد العلمى بأم درمان . وكان فى هذا المعهد – كسيرته الأولى قبل المعهد – يصل العلم بالعمل , فلم يشغله مطالعة دروسه واستذكارها عن الصيام والقيام .

     وبعد أن أكمل تعليمه بالمعهد اتجه بكليته إلى الإرشاد الدينى ونشر الإسلام واتخذ من مسيده الذى بناه فى أم بده – الحارة الرابعة (أم درمان) مقراً رئيساً للقيام بهذه الرسالة . وقد أسس الشيخ دفع الله الصائم ديمه مسيده هذا منذ عام 1947م , أى عندما كان طالباً بالمعهد العلمى بأم درمان الأمر الذى يعكس نية الشيخ الصادقة فى تطبيق العلم وإلحاقه بالعمل , كما يعكس رغبة الشيخ العميقة فى استخدام ما تعلمه فى مجال الدعوة والإرشاد متمثلاً بالحديث الشريف : " خيركم من تعلم القرءان وعلمه " وحديث : " من عمل بما يعلم ورَّثَهُ الله علم ما لم يعلم " .       

     فطريقته هى طريقة الأسلاف وهى التصوف التى أوقف رجاله حياتهم لنشر الدين الإسلامى وإرشاد المسلمين وقضاء حوائجهم . وقد قام الشيخ دفع الله الصائم ديمه بهذا الدور خير قيام , ساعده فى ذلك نشأته فى كنف جَدِّه الشيخ عبد الباقى بن الشيخ حمد النيل الذى أحسن تربيته الروحية . كما لا نغفل فضل والدته التى كانت له خير معين بحبها للعبادة وأخلاقها السمحة .           

أخلاقه :

     لقد كان الشيخ دفع الله الصائم ديمه مثالاً لأهل التصوف يحتذى به . فقد تحلى بكامل الصفات السنية من تقوى وعلم وحلم وزهد وورع وقد شهد له أقرانه بذلك منذ صباه . كما كان شفوقاً على المريدين كريماً للزائرين، سخياً للمحتاجين والمعوزين . فكانت هذه الأخلاق حاله وكانت هى مقاله إذ تفيض أشعاره وأقواله الإرشادية بالدعوة لهذه الأخلاق المحمدية والتمسك بها .        

ففى إتباع القرءان والسنة يقول :

                   حى يا وهاب افتح لى باب         أسلك آداب سـنة وكتاب

وقد أسس خلاويه على محبة للقرءان وإكرام أهله , موصياً بقراءته والتمسك بتعاليمه , وكثيراً ما كان يرى عليه سيما الهيام بالذكر الحكيم , ففى إحدى قصائده يقول :

                حى يا رحمن ادينا زمان            نمسك ليحان نقرا القرءان

وأما عن التوحيد والإخلاص وتجرد العبادة لله والعبودية الحقة فينشدنا قائلاً :

                  انظر بعيد اقرا التوحيد             خليك عبيد لا تبقى سيد

     وعن عبادته رضى الله عنه فيكفينا طول صيامه الذى بدأه قبل دراسته بالمعهد العلمى , وقد شهد له بهذا الصيام زملاء الدراسة بالمعهد الذين كانوا يخرجون للفطور فى الساعة العاشرة صباحاً تاركين الشيخ دفع الله الصائم ديمه بالمسجد لأنه صائم . فقد سلك الشيخ نهج المصابرة والاجتهاد وكبح جماح النفس , وهو القائل :

                    خلى الكلام قل الطعام          والى الهيام عدد الأيام

فكان الشيخ مداوماً القيام بالليل , وكثيراً ما يسعى للخلوة والسياحة طلباً للصفاء والتفكر وبغية الخشوع والتبتل . وفى هذا المعنى يقول :

                 والى الذكر تقوى وفكر          صفى العكر تشرب بكر

وعن الزهد وخشية الله والتواضع يقول :

                           والى للســــوف          من الله الخـوف

                           للناس ما تعوف          لى نفسك شوف

كما كان يتحمل الأعباء الثقيلة من هموم الأمة الإسلامية ومستقبلها ونصرتها بكل ما يملك من دعاء وإرشاد وتوجيه .     

أعماله:

     أما أعماله فيدل عليها نفقة الإحسان التى كانت وما زالت تجرى فى مسيده , فالشيخ كان ذا كرم وسخاء تتمثل فيه أبيات الشاعر :

                تعود بســـط الكف حـتى لو أنه           ثناها لقـبض لم تطـــــعه أنامله

                تراه إذا ما جـــئـتـه متهــــــللاً           كأنك تعطـيه الذى أنت ســـائله

                هو البحر من أى النواحى أتيته          فلجته المعروف والجود ساحله

وهذا الجود والكرم جعل مسيده يكتظ بالمعسرين وجعله قبلة للمداح الذين يغدق عليهم الشيخ – محبة فى الجناب المحمدى – الهدايا والهبات .

ومن أبرز أعماله بناؤه المساجد التى بلغ عددها نحواً من الأربعمائة مسجداً فى أنحاء السودان المختلفة , هذا ما استطعنا أن نحصره بعد وفاته ، ونحسب أن قد فاتنا الكثير منها .

كما قام بتشييد قباب الأولياء فى شتى بقاع السودان والتى وصل تعدادها إلى اثنتين وثلاثين قبة , على رأسها قباب أهل أبى حراز التى بنى أكثرها من أصلها وأعاد بناء بعضها .

    وكان الشيخ دفع الله الصائم ديمه مهتماً لشئون الجيران وذوى الحاجة , وقد اتضح ذلك عندما فتح مسيده – الرئيس بأم بده – وقت المجاعة والفيضانات عام 1984م  وعام 1988م ونزل بالمسيد كل من تضرر فى هذه الأعوام ممن فقدوا منازلهم بسبب المطر أو ممن ضاقت بهم المعيشة لظروف الجفاف . وهؤلاء النازحين كان منهم المسلمون وغير المسلمين .

     ومن أهم أعماله أنه أنشأ خلوة لتحفيظ القرءان الكريم بمسيده الرئيس بأمبده – الحارة الرابعة (أم درمان) سنة 1954م . وهذه الخلوة تضم اليوم نحواً من 700 طالب كلهم مقيمون بداخلية الخلوة بالمسيد . كما أن هذه الخلوة يمتد عملها طيلة أيام السنة، فإنه تسهيلاً لدارسى القرءان الكريم وحتى يتفرغوا لحفظ القرءان فقد أجرى الشيخ دفع الله الصائم ديمه النفقة الكاملة على هؤلاء الطلاب من طعام وكساء وعلاج مما جعل  تلك الخلوة مورداً جاذباً للطلاب من شتى بقاع السودان .

     وللشيخ دفع الله الصائم ديمه مجمعات إسلامية متكاملة الخدمات بالعاصمة وبالتحديد فى كل من : الفتيحاب، السلمة (الخرطوم)، وبرى . كما له خلاوى وزوايا وتكايا منتشرة فى ولايات السودان نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: بور تسودان، ود مدنى، سنار، الدويم، طيبة الشيخ عبد الباقى، أم مرحى حسن، المدينة عرب، المناقل، 24 القرشى، عوض العليم، حلة حمد، المسلمية، الحصاحيصا، الكاملين (العبدلاب)، ود الترابى، ود شلعى وغيرها .

     إن تشييد الشيخ دفع الله الصائم ديمه المساجد وخلاوى القرءان لم يقتصر على أبناء المسلمين فى البلاد بل تعدى ذلك، وامتد نشاط الشيخ الدينى لنشره الإسلام فى مناطق جبال الإنقسنا – جنوب النيل الأزرق . فقد قام الشيخ ببناء سبعة مساجد وثمانى زوايا فى تلك المنطقة، وأسلم على يديه زهاء الـ 3408 من مواطنيها، كما تاب على يديه كثير من أهل الأهواء والنفوس المريضة فصاروا من أهل العزائم والأخلاق الحميدة .

إرشاده :

     إن الإرشاد الدينى هو العمل الذى يرسم كل حياة الشيخ دفع الله الصائم ديمه . فتعليمه النشء القرءان فى خلاويه،  وتربيته لمريديه، وإسداء النصح والمشورة لزواره كل ذلك من أبواب الإرشاد . أما منهجه فى الإرشاد فقد تحلى فيه بالخلق المحمدى من بسط الوجه ولين الكلام والإرشاد بالحسنى . فكان رحيماً رقيق القلب , حريصاً على دعوة الناس إلى الخير . 

كراماته :

     إن لكل تلميذ للشيخ دفع الله الصائم ديمه ولكل زائر كرامة شهدها من الشيخ وهى من الكثرة بحيث لا يسعنا المجال لذكرها .

     فهل نتحدث عن كرامة بنائه المساجد ؟ بدأ الشيخ دفع الله بناء المساجد عام 1970م . وعليه يكون فى ظرف اثنتين وعشرين عاماً قد قام ببناء نحوٍ من الأربعمائة مسجداً فى أرجاء السودان ، أى بواقع  خمسة عشر مسجداً لكل سنة ، أى مسجداً واحداً شهرياً .        

     ولكنا نكتفى بكرامة واحدة يشهد له بها كل السودان بل كل من عرفه من دول العالم , ألا وهى كرامة الاستقامة . إن الشيخ دفع الله الصائم ديمه بلغ من الاستقامة حداً لم نسمع به إلاّ عند الأولين من أهل الله وخاصته , فما أثر عن الشيخ دفع الله إلاّ السلوك الشرعى القويم أمَدَ حياته , ولم ير فى سلوكه وقوله ما للشرع عليه اعتراض . فكانت حياته كلها تمسكاً بالقرءان وتحلياً بالأخلاق النبوية والشمائل المحمدية . فهذه هى الاستقامة التى يقال فيها : " الاستقامة خير من ألف كرامة " , بلهى سبب لتكريمالعبد وتنَزُّلات الرحمة والبشارة من مولاه قال تعالى : "إن الذين قالواربنا الله ثم استقاموا تتَنزَّل عليهم الملائكة ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروابالجنة التى كنتم توعدون "-  فصلت 30 .

 لقد أوقف الشيخ دفع الله الصائم ديمه حياته لخدمة الإسلام والمسلمين إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى فى ليلة الخميس 27 صفر 1413هـ الموافق 26 أغسطس 1992م , وقبره فى مقره الرئيس بمسيده فى أم بده وعليه قبة .

     وقد ترك الشيخ دفع الله الصائم ديمه من بعده ثلاث بنات وابنه الأوحد الشيخ أحمد وهو الآن خليفته المُضطلِع بأعباء الرسالة التى تركها له والده رضى الله عنه , وذلك بمؤازرة تلاميذ الشيخ دفع الله الصائم ديمه الذين عكسوا أطيب وأصدق صورة لتربية شيخهم لهم وغرسه فيهم روح الإخاء والتعاون . فجزى الله الجميع خير الجزاء , وأنزل سحائب الرحمة والرضوان على ضريح أبينا الشيخ دفع الله الصائم ديمه .

ألبوم صور الشيخ دفع الله الصائم ديمه